تحديات إدارة المستشفيات في صعيد مصر/الهرم المصرى نيوز

بقلم د/محمد مطاوع

في رحلة البحث عن كيفية استقطاب جماعة الإخوان لجموع كثيفة من الشباب (وصل عدد أعضائها في نهاية العهد الملكي إلى 1 مليون عضو) كان لا بد من معرفة الأسس التي جذبت كل هؤلاء إليها

فلا بد أن هناك أصلًا من الدين تلاعبت به، واستغلته، وعملت عليه، حتى تستطيع اجتذاب الناس

كان أهم هذه المبادئ هو مبدأ ورد قديمًا في الدين، هو "الحاكمية": أن الحكم يجب أن يكون لله وحده، "فهو من خلقنا وهو الأعلم بما يصلح لنا"، كما قال سيد قطب في الظلال

ولما كان الله هو الذي وضع الشريعة الإسلامية، "فلا يكتمل إيمان المسلم إلا بالعيش في مجتمع مسلم

وبالتالي فقد كان لا بد من وجود المجتمع "الذي يحكم بالشريعة" حتى يعيش فيه المسلم، فإن لم يحدث، فإيمانه منقوص، وعقيدته تحتمل الشك، لأنه رضي حكم غير الله- هكذا قال

لكن هذه المقولات تحمل من المشكلات أكثر مما تضع من حلول

فقد اختصر الإخوان- ومن جاءوا بعدهم من جماعات دينية- "الحكم بما أنزل الله" (وهو كثير جدًا، فيشمل التكافل الاجتماعي على سبيل المثال) ليصبح جملة "حدود"- أو عقوبات- كأن الشريعة الإسلامية مجرد قانون عقوبات روماني Code

ولم ينظروا إطلاقًا لسياقات النصوص، فقد جاءت حتى الحدود التي يتحدثون عنها في بيئة أمنية خطرة، عرفت انفلاتًا شديدًا لا يأمن فيه الناس على شيء، إلى درجة أن يرد حديث يقول فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) أن المرأة ستخرج من الحيرة للحج ولن تخش إلا الله، وهو الأمر الذي عده الصحابة معجزة له (صلى الله عليه وسلم)

تصور أنك تجلس مع رفاقك فتقول: "سيأتي عليكم زمان تخرج فيه المرأة من أسوان إلى القاهرة لا تخش فيه إلا الله." ستجدهم يردون عليك قائلين: "وماذا في ذلك؟ إن هذا يحدث فعلًا!

أما في الزمن الأول، زمن النبي، فقد كانت هذه المقولة تدخل في باب العجائب التي يصعب- أو يستحيل- حدوثها، نظرًا للانفلات الأمني الشديد والظروف الهمجية التي عرفتها تلك البقعة من العالم القديم

ولذا كانت العقوبات في الشريعة الإسلامية شديدة لأنها تتعامل مع بيئة خطرة

تمامًا كما حدث في إنجلترا القرن السابع عشر: فقد كانت هناك 200 جريمة توجب الإعدام. أما اليوم فحكم الإعدام ليس معمولًا به أصلًا فيها، لأن الظروف تغيرت، والناس تطورت، فمعاملتهم بأحكام القرن 17 في أجواء القرن 20 تعسف لا طائل من ورائه

هنا مسألة يكثر من ترديدها الإخوان: أن القرآن صالح لكل زمان ومكان

فعلًا، القرآن صالح لكل زمان ومكان، لكن كل دين يقول عن نفسه ذلك، فستجد المسيحيين يقولون إن الإنجيل صالح لكل زمان ومكان، وكذا حال اليهود وغيرهم عن كتبهم. فكل أهل ملة ينظرون لكتابهم المقدس على أنه صالح لكل زمان ومكان، وهو صلاح المبادئ والروح

ولو نظرنا لسياقات النصوص القرآنية لوجدناها تتحدث عن عالم قديم انتهت سياقاته التاريخية وحتى ظروفه الاقتصادية

فالقرآن كان يحث الناس على عتق رقبة تكفيرًا عن الذنوب، لأن الرق كان العجلة التي يدور عليها النظام الإقطاعي في العالم القديم، وهو ما لم يعد موجودًا اليوم

والنبي (صلى الله عليه وسلم) هو أول من أوقف تنفيذ حكم نزل قرآنًا يتلى، إذ لم ينفذ حكم الردة "حتى لا تقول العرب إن محمدًا يقتل أصحابه" كما ورد في حديث شريف، فهل يصبح النبي أول حاكم مسلم عطل الحدود بتعبيرات الإخوان ومن ساروا مسارهم؟!

وإلى ذلك، فهناك مشكلة كبيرة يطرحها مفهوم الإخوان عن الحاكمية: ماذا عن المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات غير مسلمة، فيجدون فيها أمنًا أكثر من مجتمعاتهم الأصلية؟ ما الذي يحملهم على العودة إلى مجتمعات تطبق الحدود لكنها لا تشهد هذا الأمن الذي عرفوه في الغرب؟ هل الحدود كانت الأصل أم كان الأهم هو تحقيق مقاصد الشريعة (الخاصة بحفظ النفس وغيرها)؟

وهل الدين مجرد عقوبات أم هو أكبر وأشمل من ذلك؟

أليست قوانين معظم الدول العربية والإسلامية مبنية على أحكام الشريعة الإسلامية، كما ورد في دساتيرها ونظمها القضائية؟

ثم إن الله يحكم فعلًا، ألم يخلق الكون وهو من يديره؟

ولماذا تأثيم الناس، وابتزازهم، والكلام باسم الله، وهو لم يفوض أحدًا يتحدث باسمه- لا من الإخوان ولا من غيرهم؟ أليس هذا الدين متاحًا للبشر جميعًا، أم لعل الإخوان فقط هم من فهموه، وباقي الناس يجهلونه؟