وفد من أهالى أسوان يدعمون الأطفال مرضى السرطان في شفاء الأورمان/الهرم المصرى نيوز

كتب /أيمن بحر

اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخبير الأمني أمريكا على صفيح ساخن. يلقى الكثيرون باللوم على ترامب فيما تشهده أمريكا من إنقسام مجتمعى يكاد يصل الى حافة الحرب الأهلية وفى التعامل العنيف للشرطة مع المتظاهرين والفشل فى إدارة أزمة كورونا.. لكن للغضب المتصاعد فى أمريكا له جذور أعمق من ذلك. ثمانى دقائق وست ثوان كانت هى المدة التى إستغرقها الضابط ديريك تشوفين ليزهق روح المواطن الأمريكى من أصول إفريقية جورج فلويد.. هذه الدقائق كانت كافية تماماً لتنقلب أمريكا رأساً على عقب ويرى العالم مشاهد لم يكن يتصور أن يرى مثلها فى أحد أكبر معاقل الديمقراطية. سبق ذلك الحادث المأساوى حادث مقتل المسعفة الأمريكية السمراء بريانا تيلور بثمان رصاصات فى منزلها فى شهر مارس إثرإقتحام أمنى خاطئ لمنزلها تلاه حادث مقتل الشاب الأسمر أحمد اربيرى الذى قتله عنصرى أبيض ووالده فيما كان أحمد يمارس رياضة الجري

قِصَرُ تلك الدقائق التى إستغرقتها حياة فلويد لتزهق، وضخامة الأحداث التى وقعت بعدها تؤكد على أمر واحد وهو وجود إحتقان داخلى كبير تراكم على مدى عقود طويلة يغذيه يمين متطرف ونظام عدالة لا يكفى لإحداث الردع الشامل عن إرتكاب جرائم العنصرية

حصيلة الإحتجاجات الأمريكية فى 6 أيام كانت 5 قتلى و4400 موقوف كما إنتشر الحرس الوطنى فى بعض المدن وفرض حظر تجوال فى مدن أخرى لليلة أو ليلتين فقط وتم إستدعاء الحرس الوطنى فى واشنطن العاصمة بالكامل للمساعدة فى السيطرة على الإحتجاجات. وفيما يبدو من الأحداث فإن هذه ليست إنتفاضة سود وحسب وإنما هى إعتراض من قطاعات واسعة من الأمريكيين على الكثير من الأمور لعل أهمها الفشل الذريع للإدارة الحالية فى التعامل مع جائحة كورونا، الى جانب نسب بطالة مرتفعة مع إحتجاج بلغ اوجه من تعامل الشرطة الأمريكية العنيف، وحالات القتل التى تنتهى بفصل الضابط القاتل أو تغريمه وصولاً الى الأحكام القضائية المخففة. كانت كل الظروف فى صالح ترامب للفوز بولاية ثانية: نجاحات إقتصادية كبيرة ومستويات منخفضة للغاية من البطالة ومعارضة يسارية تبدو ضعيفة ومشتتة، وإدارة باتت كلها تخضع لرؤيته هو ومن معه من شخصيات يمينية.إلى أن جاء حدثين فى غاية الأهمية: الأول هى جائحة كورونا التى نتج عنها قرابة 42 مليون حالة بطالة تقريباً ولايزال الرقم فى تصاعد كما أظهرت الجائحة فشلاً ذريعا لإدارة ترامب بمعدلات وفيات هى الأعلى فى العالم نتيجة وباء كوفيد-19 كما وجهت إتهامات لترامب بأن جانباً كبيراً من الفشل يرجع إما لإلغائه تمويل عدد من المجالس الإستشارية والإدارات البحثية والعلمية الى جانب تجاهله تحذيرات خبراء الصحة والوكالات الإستخباراتية بشأن خطورة فيروس كورونا المستجد وهو تحديداً ما إتهمه به المرشح الديمقراطى للرئاسة جو بايدن.  الحدث الثانى وهو وفاة جورج فلويد إختناقاً تحت ركبة ضابط أمريكى أبيض لديه سجل حافل من الإتهامات بالعنصرية. الواقعة التى تم تصويرها بالفيديو وشاهدها العالم لتضعف كثيراً حجة (القتل دفاعاً عن النفس) التى غالباً ما ساهمت فى إفلات ضباط عنصريين من تهم بالقتل ولينفجر برميل بارود عمره لا يقل عن 200 عام. أصبح ترامب كالأسد الجريح، فكل ما كان يستند اليه لتحقيق إنتصاره فى الإنتخابات المقبلة بدآ وكأنه يذهب أدراج الرياح أمام ناظريه والشارع مشتعل والإتهامات تكال له ليلاً ونهاراً فى كل مكان، الأمر الذى دفعه لإتخاذ إجراءات والتصريح بكلمات ربما يندم عليها كثيراً فيما بعد موجهاً سيلاً من الإتهامات بالفشل والتقصير للحكام الديمقراطيين للولايات ومحملاً إياهم تبعات الفشل فى مواجهة كورونا أو قمع الإحتجاجات بالقوة وملوحاً بأنه سيتجاوزهم ويفرض القانون والأمن بقوة الجيش

لم يكن وصول باراك أوباما كأول رئيس أمريكى من أصول إفريقية الى الحكم فى الولايات المتحدة أمراً جيداً لدى البعض ممن يكرهون الآخر – غير الأبيض/غير الأمريكى/ المهاجر/ الخ.. – حتى وإن كان أوباما هو مجرد وجه أسمر لأفكار وقيم الرأسمالية الأمريكية العتيدة التى أصبحت نهجاً صريحاً للإدارة السياسة على الأقل منذ عهد رونالد ريغان ليتعزز مع الوقت تمايز حاد بين تيارين فى الولايات المتحدة الأمريكية هما نفسيهما يعانيان من إنقسامات داخلية: يمين متطرف ويسار يبدو في طريقه الى ذلك. ومع انسحاب الإشتراكى المخضرم بيرنى ساندرز من سباق الإنتخابات بدأ نجم الحركات اليسارية الإحتجاجية يتصاعد فى مواجهة يمين متطرف لتظهر على سطح الأحداث الأخيرة التى أعقبت مقتل جورج فلويد حركة أنتيفا لتظهر فى المقابل تصريحات على شبكات التواصل الإجتماعى لأنصار ترامب أبدى بعضهم خلالها إستعداداً تاماً للنزول الى الشوارع وإنهاء حركات الإحتجاج خلال 24 ساعة فى تهديد واضح بإستخدام القوة.  تهديد تلقاه الجميع بقلق شديد تزامن مع تصاعد نبرة الحديث للتيار اليمينى فى وسائل الإعلام ،كما يظهر من تصريحات جاريد تايلور محرر مجلة النهضة الأمريكية ذات التوجه العنصرى. وبعد أن كانت أمريكا هى بوتقة إنصهار الثقافات والمعارف المختلفة للمهاجرين، تضائلت اللحمة الإجتماعية وتعاظم الإنقسام المجتمعى وأصبح العدو داخلياً مع تصاعد الخطاب العنصرى والذى يُتهم ترامب بشكل أساسى أنه المتسبب فيه الى جانب عوامل متعددة ساهمت فى تراجع تأثير الطبقة الوسطى المتعلمة التى كان يعول عليها أى مرشح للرئاسة فى مقابل تنامى التطرف اليمينى. تزامن ذلك مع تصاعد الإتهامات للشرطة الأمريكية برفع مستوى العنف فى مواجهة الإحتجاجات الى مستويات غير مسبوقة أصابت حتى كبار السن والأطفال

 وزير الدفاع السابق ماتيس أصدر بياناً شن فيه هجوماً لاذعاً على ترامب وقال إن البلاد تشهد تداعيات ثلاث سنوات من قيادة غير ناضجة. أضاف أن ترامب هو أول رئيس أراه فى حياتى لايحاول توحيد الأمريكيين ولايحاول حتى التظاهر بالقيام بذلك عوضاً عن ذلك هو يحاول أن يفرقنا وزير الدفاع الحالى مارك أسبر رفض تنفيذ رغبة ترامب فى نشر وحدات جديدة للجيش داخل الولايات وقال فى مؤتمر صحفى إنه لا يدعم إستخدام القوات العاملة لقمع الإحتجاجات واسعة النطاق فى جميع أنحاء الولايات المتحدة، وأنه يجب إستخدام هذه القوات فقط فى دور إنفاذ القانون كملاذ أخير، فى معارضة واضحة لرغبة الرئيس ترامب.  ونظراً لموقفه فإن الكثير من المراقبين السياسيين فى الولايات المتحدة ينتظرون موعد تقديم اسبر لإستقالته بعد أن تجرأ على رفض الإنصياع لرئيسه فيما تتصاعد أسهم السيناتور توم كوتون لتعيينه وزيراً للدفاع وهو صاحب المقال الشهير الذى طالب فيه بنزول الجيش وسحق ما أسماه بـ العصيان وهو المقال الذى يبدو أنه يلمح الى إحتمال إندلاع عصيان مدنى وسياسى ضد ترمب ما يستدعى تدخل الجيش الأمريكى.  عنف ترامب فى التعامل مع الأزمة وما بدأ أنه توجيهات بتصعيد درجة القمع فى تصدى الشرطة للمتظاهرين أقلق الكثيرين حتى داخل معسكره، وربما كان هذا التوجيه هو ما أدى الى أن تخرج تصريحات ضابطة شرطة أمريكية بهذا الشكل العنيف متوعدة بالقتل

تخلل الإحتجاجات المتصاعدة جانب من العنف والسرقة والإعتداءات إتهم ترامب حركة أنتيفا  ANTIFA اليسارية بالضلوع فى القيام بها وتحريض الناس على إرتكاب مثل هذه الجرائم موجهاً الإتهامات اليها ـ واإلى اليسار الراديكالى ـ بــ إثارة الفتن والوقوف خلف حركة الإحتجاجات ومهدداً بتصنيف الحركة المناهضة للفاشية كــ"منظمة إرهابية محلية وأنتيفا ANITFA هى حركة  معادية للفاشية واليمين المتطرف والرأسمالية وكل من يستهدف المهمشين والأقليات تأسست قبل الحرب العالمية الثانية مع بداية ظهور النازية والفاشية وإنتشرت فى عدة دول حول العالم ولا تؤمن بإصلاح السياسات وإنما بالفعل المباشر والعنف لتعديل المسار. وترى الحركة أن أفكاراً كالنازية والفاشية لم تكن لتظهر وتنتشر الا بسبب عدم وجود ردود فعل قوية وعنيفة يما يكفى لوقف إنتشار مثل تلك الأفكار. وفى الوقت الذى تعارض فيه أدبيات الحركة عمليات القتل الا أن أعضاءها قد ينتهجون مستويات مختلفة من العنف فى حالة السماح للجماعات العنصرية والفاشية بتنظيم نفسها وحمل السلاح. وعادة ما يظهر أعضاء الحركة بملابس سوداء خلال الإحتجاجات ويدعون الناس الى النزول للشوارع وتنظيم إحتجاجات ضد اليمين المتطرف والحركات العنصرية بحسب ما ذكرت وكالة الأناضول. بدأت الحركة تظهر على السطح بشكل متكرر فى أمريكا منذ إنتخاب ترامب وكان أكبر ظهور لها عام 2017 حين إنطلقت مظاهرة فى فيرجينيا ضد العنصريين البيض على إثر تظاهرات نظمها أنصار تفوق العرق الأبيض في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا.  من أشهر المجموعات التى تنضوى تحت قيادة أنتيفا، منظمة روز سيتى أنتيفا فى بورتلاند وهى أقدم مجموعة تابعة للحركة فى أمريكا ورغم حضورها القوى وتنظيمها الشديد إلا أن أعضائها مجهولون بحسب ما ذكرت صحيفة يو اس ايه توداى ويخشى مراقبون من أن تهديد ترامب بإعلان انتيفا جماعة إرهابية قد يمهد لمكارثية جديدة فى الولايات المتحدة يتم على إثرها إطلاق حملة إعتقالات ضخمة تضم كل من يكرهه ترامب أويخشاه لتتكرر كارثة المكارثية التى أخذ المجتمع الأمريكى وقتاً طويلاً ليتعافى من تبعاتها. فى ضوء كل ما سبق، تبدو إحتمالات فوز ترامب بالإنتخابات الرئاسية المقررة فى نوفمبر المقبل غير كبيرة فهناك أزمات إقتصادية وبطالة وفشل فى إدارة أزمة كورونا أودى بحياة الآلاف على أن الأخطر من كل ذلك هو مجتمع يشهد إنقساماً كبيراًويبدو وكأنه على شفا حرب أهلية. على الحانب الآخر لا تبدو خسارة ترامب أيضاً بالأمر المبشر بالخير فهناك أصوات متصاعدة فى الداخل الأمريكى تحذر من رفض ترامب للإعتراف بهزيمته فى الإنتخابات، والإدعاء بأنه تم تزورها حيث إستبق ترامب الأحداث وحذر من لجوء بعض حكام الولايات الديمقراطيين من إعتماد أسلوب التصويت عبر البريد الذى قرره بعضهم للحد من إنتشار فيروس كورونا. فبحسب مقال للكاتب برايان كلاس فى صحيفة واشنطن بوست، فإنه من الصعب تصور قبول ترامب للهزيمة وتهنئته للفائز بمنصب الرئيس وفى الغالب فإنه سيعتمد إستراتيجية التشكيك فى شرعية الخصوم السياسيين ما قد يهدد الإنتقال النقل السلمى للسلطة  والذى يقوم عليه أساس النظام السياسى الأمريكى.  رفض ترامب قد يصاحبه ردود فعل عنيفة للغاية من اليمين المتطرف المساند له، والذى يتشكل جانب منه فى صورة ميليشيات مسلحة عنيفة منتشرة فى أمريكا،. وقد يدفع رفض ترامب للإعتراف بالهزيمة تلك الميليشات للنزول الى الشوارع بما قد يتطور الى إشتباكات مسلحة مع معارضى ترامب، لتندلع نيران حرب أهلية جديدة،  ربما تكون مشابهة لأخرى فى التاريخ الأمريكى إندلعت - وللمفارقة المذهلة - بسبب الخلاف بين الشمال والجنوب على "تحرير "العبيد”