محافظ الغربية: رفع درجة الإستعداد لإحتفالات العام الجديد والإهتمام بالتجميل والنظافة/الهرم المصرى نيوز

 

بقلم /د. سعيد محمد طه محمد

دكتوراه تاريخ العصور الوسطى

عضو اتحاد المؤرخين العرب 

عضو الجمعية التاريخية المصرية

التراث هو العنصر الأساسي في تشكيل هوية المجتمعات، حيث يعكس القيم والتقاليد التي تطورت عبر العصور. ففي المجتمعات القديمة، شكّلت الموروثات الثقافية كالأساطير، والقيم، والأعراف، الأساس لهوية المجتمع واستقراره، حيث اعتمدت هذه المجتمعات على التراث الشفهي لنقل القيم والمعارف من جيل إلى آخر، مما خلق استمرارية وارتباطًا بالأرض والتاريخ.

ففي العصور القديمة، كان التراث يُنقل عبر الحكايات الشفهية، والطقوس الدينية، والتجمعات الشعبية، مما ساهم في وحدة المجتمع وتماسكه، ومع بزوغ المجتمعات الزراعية، تطور التراث ليشمل جوانب اقتصادية، مثل أنظمة الزراعة وتبادل المحاصيل، التي شكّلت جزءًا من الهوية. ومع تطور الكتابة في الحضارات القديمة، بدأ تسجيل الأساطير والقصص التاريخية؛ ليساهم في حفظ التراث بشكل أكثر استدامة. 

وبمرور التاريخ، كان للتراث دورٌ محوري في تشكيل المجتمعات وتوجيه أفرادها؛ ففي الحضارات الإغريقية والرومانية، مثلًا، كانت الأساطير والتقاليد الشفهية تنقل هوية تلك المجتمعات وتماسكها. كذلك، كانت الديانات الشعبية والعادات الاجتماعية جزءًا من التراث الذي عزز الهوية الجماعية، أما في العصور الوسطى، فقد ازدهر التراث الشعبي، خاصة في المجتمعات الأوروبية، حيث كانت الأساطير والخرافات والتقاليد الزراعية مكونات رئيسية في بناء هوية المجتمع المحلي.

مع بداية العصر الحديث، شهد العالم انفتاحًا ثقافيًا أثر على التراث المحلي. حيث جلبت العولمة معها تفاعلًا بين الثقافات، مما أضاف بُعدًا جديدًا للتراث، ولكنه هدد في الوقت نفسه الخصوصية الثقافية للمجتمعات، فوسائل الإعلام والتواصل الحديثة أضافت قنوات لنقل التراث، لكنها في بعض الأحيان حوّلت التراث إلى مجرد رموز تجارية أو صور سطحية تفتقر إلى العمق التاريخي، هذا الوضع دفع المجتمعات للبحث عن توازن بين الحفاظ على التراث وتطويره.

بالإضافة لذلك، أدت التغيرات السريعة أن يلعب التراث دورًا رئيسيًا في تعزيز الهوية، فالمجتمعات التي تحافظ على تراثها تتمكن من تعزيز وحدتها وتماسكها، مثل اليابان، التي توازن بين الحداثة وحفظ الفنون التقليدية، هذا النمط من الحفاظ على التراث يظهر أهمية التكيف دون التخلي عن الأصالة، حيث تسعى المجتمعات إلى الحفاظ على تراثها كوسيلة لتعزيز الهوية في عصر العولمة.

أما الأمثلة التاريخية التى تعكس ذلك كانت المجتمعات في أوروبا تركز على نقل تراثها الشفهي والديني لتعزيز تماسكها، بينما اعتمدت القبائل العربية على الشعر كوسيلة لنقل القصص والقيم، أما في المجتمعات الحديثة، مثل كوريا الجنوبية، نرى حفاظًا على تقاليد الفنون القتالية والأزياء التقليدية التي أصبحت رمزًا من رموز الهوية، بل وساهمت في تعزيز اقتصادها عبر السياحة الثقافية. 

وبالتالي فإن التاريخ يعلّمنا أن المجتمعات التي حققت التوازن بين التراث والتطور استطاعت الحفاظ على هويتها حتى مع الانفتاح على العالم، فالحضارات الإسلامية في العصور الوسطى على سبيل المثال، تبنت العلوم والفلسفة من الثقافات الأخرى، لكنها حافظت على طابعها الخاص من خلال استيعاب هذه العلوم بما يتماشى مع تراثها. وفي الوقت الحاضر، تُعد استراتيجيات التكيف مع العصر مع الحفاظ على العمق التاريخي ضرورة للمجتمعات التي تسعى لتحقيق الاستدامة الثقافية.

بناء على ما سبق يجب علينا استخدام التراث لخدمة المجتمع من خلال:

1- إدماج التراث في التعليم: فتاريخيًا كانت المعرفة تُنقل عبر الأجيال بشكل غير رسمي، لذا يعد دمج التراث في المناهج الدراسية أحد الطرق لتثبيته في الوعي الجماعي للأجيال الجديدة.

2- استخدام التكنولوجيا الحديثة: لقد ابتكرت بعض الدول طرقًا لعرض التراث من خلال المتاحف الافتراضية والمحتوى الرقمي، لتجذب الشباب وتحافظ على عمق التراث.

3- تنظيم الفعاليات الثقافية: حيث تقيم العديد من الدول مهرجانات تُعنى بالتراث، مثل احتفالات "السان فيرمين" في إسبانيا، التي تحيي التراث وتساهم في الاقتصاد السياحي.

4- الترويج الإعلامي: فإن وسائل الإعلام وسيلة قوية لنشر الوعي بأهمية التراث، من خلال الأفلام الوثائقية والبرامج التي تعزز ارتباط الأجيال الحاضرة بموروثها التاريخي.

5- تشجيع السياحة الثقافية: عن طريق تطوير المناطق التراثية لتكون جاذبة للسياح، مما يعزز الوعي بقيمة التراث ويضمن استدامة الموارد الاقتصادية المحلية.

ختاما فإن التراث عنصرٌ أساسيٌّ لبقاء هوية المجتمعات عبر التاريخ، فكل مرحلة من مراحل التطور الإنساني تضمنت الحفاظ على موروثاتها بشكل أو بآخر. وتحقيق التوازن بين التطور وحماية التراث يبني جسوراً تربط بين الماضي والمستقبل، ويشكل قاعدة قوية تساعد المجتمعات على مواجهة التحديات المعاصرة بثقة، ويؤكد أهمية التراث كعامل من عوامل استقرار المجتمع وتماسكه.