بالصور محافظ كفرالشيخ يتابع جهود حملات النظافة بمراكز ومدن المحافظة/الهرم المصرى نيوز

 

بقلم محمد سليمان 

بيرسا كوموتسي كاتبه ومترجمه يونانيه ولدت بمصر وتعلمت بمدارسها وجامعتها فهي خريجة جامعة القاهره العريقه وهي أبرز من ترجمت أعمال الكاتب الكبير نجيب محفوظ من العربية إلى اليونانيه.

تعتبر بيرسا نفسها محظوظه لأن أجدادها قادتهم الظروف فعاشوا في مصر فتعرفت على أدب نجيب محفوظ ووقعت في أسره.

في أول قرأه لأحد أهم أعمال بيرسا وهي رواية في شوارع القاهرة نزهه مع نجيب محفوظ والصادرة عن سلسلة الجوائز التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب.

أجدني اقرأ رواية ذو طابع شيق ومميز فالرواية بالأساس هي  ذكريات للكاتبه في مصر بلد المولد والنشأه وبلد القلب كما تذكر بيرسا.

تتسم الروايه بالانسايبه الشديدة وبروح البساطه المغلفه بعمق في المضمون.

تحكي الكاتبه عن طفولتها عن قصة حبها لذاك الطفل المصري عادل الذي تركها فجأه ليسافر بصحبة والديه إلى أحد دول الخليج لنستنتج أن الكاتبة وهي تقوم بسرد ذكرياتها انما هى بالأساس تمس مساً خفيفاً الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية لمصر في تلك الآونة.

في اليوم التالي لقراءة تلك الروايه كنت أجلس بصحبة أصدقائي بسور السيده زينب نجتمع سويا بأحد محلات بيع الكتب القديمه التي يعمل فيها صديقي سيد بائع الكتب المثقف نجلس باستمرار وبين فينة وأخرى في شبه صالون ثقافي مصغر.

أخبرنا صديقنا باسم بقصه حدثت له مع شقيق احد أصدقائه والذي يعمل بإحدى الدول الأوربية.

حيث كان يسهر معهم في أحد الأيام وأثناء تلك السهره اُذن لصلاة الفجر فوجد شقيق صديقه ينعت آذان الفجر بالتخلف وعندما رأت زوجته اشمئزاز صديقي أخبرته بأنهم يحبون مصر وأنهم يريدون أن تتغير ثقافة التخلف لدى المصريين

يخبرنا باسم بأنه قال حينها في نفسه هو انتم مصريين.

إنبريت حينها أتحدث عن الروائية بيرسا التي تخبرنا بأنها كانت تدرس بمصر بمدرسه يونانية وأن تلك المدرسة كانت تهتم بأن تحفظ هوية الطلاب اليونانين وتدفع لديهم حب اللغه والثقافة اليونانيه وتذكر برسا تلك اللافته التي كانت تزين مكتب المعلمين والتي تقول" أغلق على اليونان روحك وستشعر داخلك بكل أنواع المجد".

لكن رغم ذلك تعترف الكاتبه أن دروس اللغة العربية هي المفضله لديها وأن معلموا اللغة العربية هم المفضلين لديها

وتذكر الكاتبه تلك الواقعة التى حدثت فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات عندما تم اغتيال الكاتب يوسف السباعي عام ١٩٧٨م حيث أرسل السادات قوه من الصاعقة المصريه إلى قبرص تهدف إلى تحرير الرهائن والقبض على منفذي العملية الإرهابية حيث تم تدمير الطائرة المصرية على يد القوات القبرصية وتم استشهاد عدد من رجال الصاعقة المصرية لتنشأ أزمة كبرى بين مصر وقبرص.

تذكر الكاتبة انها حينها عاشت انقساما لا يشعر به سوى من يجد نفسه في مركز النزاع.

 وطناي يونان روحي ومصر قلبي صارا في المواجهة هكذا تصف بيرسا حالها انذاك وتذكر كيف أن بعض الطلاب أرادوا منعها من الدخول إلى ساحة الجامعه بحجة كونها يونانيه.

وبعد أن سافرت بيرسا وتركت مصر  بسبب بعض التغيرات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلاد تتساءل وهي في اليونان كما جاء في الرواية

هل يعقل أن أهرب من أهم جزء في نشأتي وتعليمي وشخصيتي فقط من أجل أن أكون وسط أناس يفصلونني عنهم بجهل منهم....... ولكن رغم كل محاولاتي أن أكون جزءاً من الواقع المعتاد لكي أحظى بقبول وإستحسان الآخرين لم أنجح وكانت هناك أحيان يستحيل على النوم أو عندما كنت أحاول النوم كنت أعتقد أنني اسمع موسيقى حليم أو عبدالوهاب أو أم كلثوم وفيروز بين النوم واليقظة كنت أسمع صوت المؤذن ينادي للصلاة أو أصوات الأولاد في الشوارع في الصباح الباكر ومرات عديده تساءلت عن معنى الوطن والإجابة أعطاني إياها المعلم الكبير فى أحد كتبه كتب يقول عن الوطن انه ليس هو المكان بعينه وليس الحدود لكن هو البيئه الفكرية والروحية التي ترتسم فيها أفكار وقناعات شعب.

بالمقارنة بين ما أوردته بيرسا وبين ذلك الرجل الذي نعت الأذان بالتخلف تتجلى أمامي بصدق أن بيرسا مصرية حتى النخاع إنها تتنفس هواء الوطن القلب في خيالها وهي في بلد الجنسيه اليونان إن بيئتها الفكرية شرقية حتى النخاع وصوت المؤذن وصوت حليم وفيروز وأم كلثوم يسكن خاطرها واذنيها فالنمط الفكري لبيرسا متشبع بالروح المصرية

أما شقيق  صديق صديقي فبرغم جنسيته المصرية فإنني اتشكك في إنتمائه لذلك الوطن فخلفيته البيئية تتبع سبيل ثقافة غربيه خالية  من أي روح وكل شيء بلا روح لا يعول عليه.

بيرسا والمعلم

تأثرت بيرسا بالمعلم والمعلم هنا هو الروائي الأعظم في الوطن العربي نجيب محفوظ.

تذكر بيرسا في الرواية تلك اللقاءات التي أتاحها القدر لرؤية المعلم  حتى بعد أن عادت لزيارة مصر وطن القلب وأثناء زيارتها لمنطقة خان الخليلي وجدت المعلم هناك بمقهي الفيشاوي الشهير وكأنها تقول لنا أن تلك الكلمات المتشبعه بروح الصوفية التى تقول أن ما تبحث عنه يبحث عنك  حقيقة مجربه لا جدال فيها.

في الروايه نجد إقتباسات رائعه من الكاتبه لمقولات المعلم وكأني وانا العاشق لروايات المعلم اقرأها لأول مره منها على سبيل المثال لا الحصر 

- أن تؤمن وأن تعمل فهذا هو المثل الأعلى ألا تؤمن فذاك طريق آخر إسمه الضياع أن تؤمن وتعجز عن العمل فهذا هو الجحيم.

- إعلم انك لا تنال درجة الصالحين حتى تتجاوز ست عقبات أولاها أن تغلق باب النعمه وتفتح باب الشده والثانية أن تغلق باب العز وتفتح باب الذل والثالثه أن تغلق باب الراحه وتفتح باب الجهد والرابعه أن تغلق باب النوم وتفتح باب السهر والخامسة أن تغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر والسادسه أن تغلق باب الأمل وتفتح باب الإستعداد للموت.

- الزواج أكبر خدعه الزوجه تنقلب بعد أشهر شربة زيت خروع.

- ثمة موت يدركك وانت حي.

- ان موت الاحياء هو أفظع بكثير.

انتهيت من قرأة الروايه لكن إحساس برباط قوي يربطني بتلك الروايه الرائعه  وبكاتبتها تذكرت حينها ما أوردته برسا

ان بعض الناس لا يرحلون لا يفارقوننا ابدا ويصرون على التنفس في حياتنا إما كذكرى أو كفكره أو حتى كوجود حي في وعينا وضمائرنا.