الهلال يواصل تحضيراته للقاء التعاون بدوري روشن - الهرم المصرى نيوز

 

 تحليل نفسي معمّق"

بقلم / إيمان فاضل 🌹

أوقات كثيرة عندما نلاحظ سلوكًا معينًا من الأطفال أو حتى الكبار، نقول إن وظيفة هذا السلوك هي "لفت الانتباه" . هذا التعبير ليس مجرد كلام عابر، بل هو حقيقة نفسية عميقة. الاهتمام حاجة نفسية أساسية للإنسان، ويلعب دورًا كبيرًا في تكوين شخصيته وسلوكه. لكن لماذا يعتبر لفت الانتباه مهمًا إلى هذا الحد؟ وكيف يؤثر على حياتنا النفسية؟ هذا ما سنتحدث عنه هنا 

العائد النفسي للاهتمام : الأدلة العلمية

الاهتمام الذي نحصل عليه من الآخرين يعطينا شعورًا بالقبول والانتماء. وفقًا لعلم النفس الاجتماعي، فإن الشعور بالانتماء هو أحد الاحتياجات النفسية الأساسية للإنسان، كما أشارت إليه نظريتي التعلق (Attachment Theory) وتقرير الذات (Self-Determination Theory) . 

عندما يهتم بنا الآخرون، نشعر بأننا جزء من مجموعة أو مجتمع، وهذا يعزز إحساسنا بالهوية والقيمة. الدراسات العلمية تشير إلى أن الدماغ البشري يفرز هرمونات مثل الأوكسيتوسين (هرمون الحب والترابط) عندما نشعر بالاهتمام والقبول من الآخرين. هذا الهرمون يعزز مشاعر الأمان والثقة، ويقلل من مستويات التوتر والقلق.

هرم ماسلو والاهتمام: نظرة علمية أعمق

هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية يقدم إطارًا نظريًا لفهم أهمية الاهتمام. ماسلو قسم الاحتياجات الإنسانية إلى خمس طبقات:

الاحتياجات الفسيولوجية: مثل الأكل والنوم.

الأمان: الشعور بالحماية والاستقرار.

الاحتياجات الاجتماعية: الانتماء والحب.

التقدير: الإحساس بالاعتراف والاحترام.

تحقيق الذات: الوصول إلى الإمكانات الكاملة.

لفت الانتباه يظهر بوضوح في الطبقة الثالثة (الانتماء) والرابعة (التقدير). وفقًا لدراسات في علم النفس التطوري، فإن البشر طوروا حاجة بيولوجية ونفسية للانتماء لأن العمل الجماعي كان ضروريًا للبقاء في العصور القديمة. اليوم، هذا الانتماء يتحقق من خلال الاهتمام الذي نحصل عليه من الأسرة والأصدقاء والمجتمع.

لماذا يبحث الأطفال عن لفت الانتباه؟

الأطفال، وخاصة في مراحل النمو المبكرة، يعتمدون على الاهتمام لتلبية احتياجاتهم النفسية والعاطفية. وفقًا لنظرية التعلق التي طورها جون بولبي، فإن الأطفال يحتاجون إلى علاقات آمنة مع مقدمي الرعاية (مثل الوالدين) لتطوير إحساس بالأمان العاطفي. عندما لا يحصل الطفل على الاهتمام الكافي، قد يلجأ إلى سلوكيات سلبية مثل البكاء أو التخريب لجذب الانتباه.

دراسات في علم الأعصاب تشير إلى أن الدماغ النامي للطفل حساس جدًا للتجارب الاجتماعية. عندما يحصل الطفل على الاهتمام، يتم تنشيط مناطق في الدماغ مثل القشرة الأمامية الجبهية ، التي ترتبط بالتنظيم العاطفي واتخاذ القرارات. هذا يساعد الطفل على تطوير مهارات اجتماعية وعاطفية صحية.

تفسير علمي سلوكيات الأطفال الساعية للاهتمام : 

1. البكاء والصراخ:  

   البكاء هو وسيلة طبيعية للأطفال للتعبير عن احتياجاتهم. وفقًا لدراسات في علم النفس التطوري، فإن البكاء يثير استجابة فورية من الكبار بسبب تأثيره البيولوجي على الدماغ، حيث يحفز إفراز هرمونات مثل الكورتيزول التي تزيد من الشعور بالتوتر لدى الكبار، مما يدفعهم لتهدئة الطفل.

2. التخريب أو كسر الأشياء  

   هذا السلوك قد يكون مرتبطًا بنقص في التنظيم العاطفي . الأطفال الذين لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم بشكل صحي قد يلجأون إلى التخريب كوسيلة لإطلاق الطاقة السلبية أو لجذب الانتباه.

 3. التمرد وعدم الانصياع للأوامر:  

   هذا السلوك قد يكون مرتبطًا بمرحلة النمو النفسي التي يمر بها الطفل، مثل **مرحلة الاستقلالية** التي تحدث بين سن 2-4 سنوات. في هذه المرحلة، يبدأ الطفل في اختبار الحدود ويريد تأكيد ذاته.

 4. الغيرة من الإخوة:  

   الغيرة هي استجابة طبيعية لشعور الطفل بأنه قد يفقد الاهتمام أو الحب. وفقًا لدراسات في علم النفس العائلي، فإن الغيرة بين الأشقاء يمكن أن تزيد إذا شعر الطفل بأنه غير متساوٍ في الحصول على الاهتمام.

 5. المبالغة في الحركات أو الأصوات:  

   هذا السلوك قد يكون محاولة من الطفل لتنشيط نظام المكافأة في الدماغ، حيث يحصل على استجابة فورية من البيئة المحيطة.

كيف نتعامل مع هذه السلوكيات ؟

1. تعزيز السلوكيات الإيجابية:  

   وفقًا لنظرية )التعلم الشرطي(، فإن تعزيز السلوكيات الإيجابية بالمدح أو المكافآت يشجع الطفل على تكرارها.

2. توفير الاهتمام الإيجابي:  

   قضاء وقت نوعي مع الطفل، مثل اللعب أو القراءة، يساعده على الشعور بالأمان العاطفي دون الحاجة إلى سلوكيات سلبية.

3. التقليل من الاهتمام بالسلوكيات السلبية:  

   وفقًا لمبادئ علم النفس السلوكي، فإن تجاهل السلوكيات السلبية (مع عدم إهمال الطفل) يمكن أن يقلل من تكرارها.

 4. تعليم الطفل مهارات التنظيم العاطفي:  

   تعليم الطفل كيفية التعبير عن مشاعره بشكل صحي، مثل استخدام الكلمات بدلًا من الصراخ أو التخريب.

الخلاصة العلمية

لفت الانتباه ليس مجرد سلوك عابر، بل هو تعبير عن احتياجات نفسية عميقة مرتبطة بالانتماء والتقدير. من خلال فهم الأسس العلمية وراء هذه السلوكيات، يمكننا التعامل معها بشكل أكثر فعالية، سواء عند الأطفال أو الكبار. الاهتمام الإيجابي يدعم النمو النفسي الصحي ويعزز الإحساس بالأمان والقيمة الذاتية.